إتاحة البيانات المفتوحة في ضوء أهداف التنمية المستدامة : دراسة تحليلية لبوابات المؤسسات الثقافية في المنطقة العربية

صلاح الدين، هدى محمد السيد. - 2024 - (دكتوراه) - جامعة الفيوم، كلية الآداب، قسم المكتبات والمعلومات.

تمهيد :
شهدت حركة البيانات المفتوحة نموًا هائلاً إبان السنوات الأخيرة، حيث ركزت العديد من سياسات البيانات المفتوحة المبكرة بشكل أساسي على إتاحة البيانات، بعد أن كان ينظر إليها في البداية على أنها فكرة هامشية في أذهان دعاة التكنولوجيا؛ كما أعلنت العديد من الحكومات حول العالم أنها ”مفتوحة بشكل افتراضي” وهي بذلك تسعى لجعل البيانات سهلة الإتاحة، وسهلة الوصول، فضلاً عن التوحيد والمجانية (Janssen & Zuiderwijk, 2014).
وتعمل حركة البيانات المفتوحة حاليًا على تحويل التركيز من الدفع من أجل البيانات إلى الدعوة إلى تنظيم البيانات بتنسيقات قابلة للاستخدام، مما يسهل من الوصول إليه في الوقت المناسب من قبل مجتمع مستخدمين ذوي كفاءة تكنولوجية (Robinson & Mather, 2017, 92)، وقد أدى هذا التيار الدولي لصالح البيانات العامة المفتوحة على الإنترنت إلى إنشاء بوابات حكومية كمبادرات للبيانات المفتوحة، والتي تم تقديمها اعتبارًا من عام 2009 (Simón, et. Al, 69).
وقد ساعدت التكنولوجيات الجديدة والتطور المستمر للمجتمع إلى ظهور طرق جديدة لإنتاج وتبادل المعلومات، والتي تنطوي على مزيد من الشفافية والوصول إلى نطاق أوسع من المعلومات، وخاصة المعلومات الحكومية من أجل مواكبة هذا التطور (Simón, 2014, 157)، يضاف إلى ذلك تلك القيمة الاقتصادية جراء الحفاظ على توافر بيانات حكومية مفتوحة عالية الجودة كمورد أساسي للدخل (Zeleti, Ojo, & Curry, 2016, 235).
وتمتلك المؤسسات الثقافية الكثير من البيانات والمعلومات القيمة، مثل المجموعات التي تديرها المؤسسات الثقافية والمعرفة المتوافرة حول هذه المجموعات، وقد أتاحت التقنيات الحديثة إمكانية عرض التراث الثقافي على المنصات الرقمية، حيث قامت العديد من المؤسسات الثقافية حول العالم إبان السنوات القليلة الماضية، برقمنة مجموعاتها، وإتاحتها (European Union. 2018)، وعليه باتت حركة البيانات المفتوحة الآن تركز على إعادة استخدام هذه البيانات، والتي لابد أن تتمتع بالصيغة الرقمية، وكذا تكون ”مفتوحة” أي متاحة للجميع بحرية دون قيود تذكر، مما يعني أنه يمكن للمستخدمين النهائيين إعادة استخدام البيانات وتوزيعها بشكل أكبر.
وتؤكد الإحصائيات والمؤشرات المتعلقة بالقطاع الثقافي، أن الثقافة يمكن أن تكون محركًا قويًا للتنمية، مع تأثيرات اجتماعية واقتصادية وبيئية على مستوى المجتمع، من خلال مساهمة القطاع في الاقتصاد والتخفيف من حدة الفقر. يمكن أن يكون التراث الثقافي والصناعات الثقافية والإبداعية والسياحة الثقافية المستدامة والبنية التحتية الثقافية بمثابة أدوات استراتيجية لدعم الاقتصاد (UNESCO, 2012).
0/1 مشكلة الدراسة :
لما كانت البيانات المفتوحة تتمتع بقدر كبير من الأهمية، فقد أدى ذلك إلى وجود توجه عالمي من قبل الحكومات نحو إتاحة بياناتها بشكل مفتوح من خلال بواباتها الإلكترونية، وذلك تعزيزاً لمبدأ الحوكمة والشفافية وكذا المشاركة من قبل مواطنيها، ونظراً لأن الوصول المفتوح للبيانات يمكن الباحثين وصناع القرار والجمهور العام من الوصول إلى المعلومات وتبادل المعرفة لاتخاذ قرارات مؤثرة وذات جدوى تساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن تلك الأهداف لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أصبحت البيانات المفتوحة متاحة ومشتركة محلياً وعبر الحدود.
وقد تفاوتت الدول في حجم إتاحة البيانات المفتوحة على كافة المستويات من خلال بواباتها ومنصاتها، فمنها ما يتيحها بشكل كامل، وأخرى تتيح بعض منها، وثالثة لا تتيحها ولم تنشئ بوابات أومنصات لإتاحتها.
وعليه تتركز مشكلة الدراسة في عدم وجود آليات محددة لإتاحة البيانات المفتوحة على بوابات المؤسسات الثقافية العربية كمعول أساس لإحداث التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها()، وكذا نقص الدراسات المحكمة التي ركزت على مساهمة البيانات الثقافية المفتوحة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
0/2 أهمية الدراسة :
تستمد الدراسة أهميتها من أهمية إتاحة البيانات المفتوحة، من أجل الشفافية وتعزيز المشاركة واتخاذ القرار وإحداث مضامين التنمية المستدامة، وذلك في ظل التوجهات العالمية الداعمة لإتاحة البيانات المفتوحة على كافة المستويات من خلال بوابات ومنصات تدعم المشاركة وتعزز من الوصول وتفعيل الخدمات، فضلاً عن عدم تطرق الدراسات العربية لتحليل منصات البيانات المفتوحة لاسيما الخاصة بالمؤسسات الثقافية العربية.
0/3 أهداف الدراسة :
تسعى الدراسة لتحقيق الأهداف التالية :
1- تحديد خصائص منصات المؤسسات الثقافية العربية للبيانات المفتوحة وسماتها في البيئة العربية.
2- رصد مدى التزام منصات المؤسسات الثقافية العربية بسياسات ومعايير إتاحة البيانات المفتوحة، لتحقيق التنمية المستدامة.
3- التحليل المقارن لواقع إتاحة البيانات المفتوحة عبر منصات المؤسسات الثقافية العربية في ضوء أهداف التنمية المستدامة.
4- التخطيط لإنشاء بوابة مصرية للبيانات الثقافية المفتوحة تتفق وأهداف التنمية المستدامة.
0/4 تساؤلات الدراسة :
اتساقاً مع الأهداف، تسعى الدراسة للإجابة على التساؤلات التالية :
1- ما طبيعة منصات المؤسسات الثقافية العربية للبيانات المفتوحة؟ وما سمات البيانات المتاحة بها؟
2- ما مدى التزام منصات المؤسسات الثقافية العربية بسمات الاستخدامية، وسياسات ومعايير إتاحة البيانات المفتوحة؟
3- ما دور إتاحة البيانات المفتوحة عبر منصات المؤسسات الثقافية العربية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
4- ما الخصائص والسمات المتطلبة لإنشاء منصة مصرية للبيانات الثقافية المفتوحة تتفق وأهداف التنمية المستدامة.
0/5 الفروض الإحصائية للدراسة :
1- توجد فروق ذات دلالة إحصائية باتجاه ملامح البيانات الثقافية المفتوحة وفقًا لمتغيرات : طبيعة المؤسسة، والمدى التاريخي للمؤسسة، طبيعة اللغة.
2- لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية باتجاه الملامح المحتملة للبيانات المفتوحة وأهداف التنمية المستدامة. وفقًا لمتغيرات: الدولة، وطبيعة نشاط المؤسسة.
3- توجد شبكة من العلاقات بين واقع البيانات الثقافية المفتوحة (المحور الأول) وتحقيق أهداف التنمية المستدامة (المحور الثاني).
0/6 مجال الدراسة وحدودها :
- الحدود الموضوعية : ركزت على رصد خصائص البيانات المفتوحة وملامح إتاحتها عبر منصات المؤسسات الثقافية العربية في ضوء أهداف التنمية المستدامة.
- الحدود الزمنية : امتدت الدراسة التحليلية لاستكشاف جميع المنصات المتاحة عبر بوابات المؤسسات الثقافية المتاحة منذ مارس 2019م حتى نهاية ديسمبر 2022م.
- الحدود المكانية : اتخذت الدراسة من بوابات المؤسسات الثقافية العربية حدًا مكانيًا لها، والتي انتمت لسبع دول رئيسة : سلطنة عمان، تونس، السعودية، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، المغرب، قطر.
- الحدود اللغوية : اقتصرت الدراسة على تحليل منصات البيانات المفتوحة في البيئة العربية باللغة العربية فقط.
- الحدود النوعية : اقتصرت الدراسة على منصات المؤسسات الثقافية الرسمية في المنطقة العربية.
0/7 منهج الدراسة وأدوات جمع البيانات :
اعتمدت الدراسة المنهج المسحي القائم على أسلوب الوصف والتحليل، باعتباره المنهج الأنسب للتعامل مع مشكلة الدراسة، فضلاً عن استخدام أسلوب تحليل المحتوى؛ لرصد أهم خصائص وسمات منصات البيانات المفتوحة المتاحة عبر بوابات المؤسسات الثقافية العربية.
وفيما يتعلق بأدوات جمع البيانات، فقد اعتمدت الدراسة على الملاحظة المباشرة، بالإضافة إلى مقياس رئيس ومحكم، كأداة رئيسة لجمع البيانات حول تلك المنصات بغية توصيفها بدقة، ورصد مواطن قوتها وضعفها، حيث قسمت الباحثة مقياس الدراسة كالتالي :
أولاً : محور تقييم واقع البيانات الثقافية المفتوحة :
وهو مقياس طورته الباحثة لقياس واقع إتاحة البيانات الثقافية المفتوحة في المنطقة العربية، وقد تكون المقياس من (33) فقرة، وزعت على بعدين رئيسين، هما : المؤشر (1) أشكال البيانات ومدى اكتمالها، ويشمل (14) فقرة، المؤشر (2) الاستخدامية وإمكانات البحث والتصفح، ويشمل (19)فقرة، وقد صيغت هذه الفقرات بشكل يمكن من عملية تقييم منصات البيانات الثقافية المفتوحة، ويستجاب لكل فقرة بتحديد مدى تحقق الفقرة طبقاً لمقياس متدرج يحدد مستوى التحقق (ضعيف، منخفض، متوسط، مرتفع، مرتفع جدًا).
ثانيًا : محور البيانات الثقافية وأهداف التنمية المستدامة.:
وهو مقياس طورته الباحثة اعتمادًا على (مؤشرات اليونسكو المواضيعية لدور الثقافة في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030) والذي وضع لقياس واقع البيانات الثقافية المفتوحة وأهداف التنمية المستدامة، وقد تكون المقياس من (50) فقرة وزعت على ( 4) مؤشرات رئيسة، هي : المـؤشـر (1) البيئة والقدرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية، ويشمل (11) فقرة، المؤشر (2) الازدهار وسُبل العيش، ويشمل (10) فقرات، المؤشر (3)، المعرفة والمهارات، ويشمل (12) فقرة، المؤشر (4) الاندماج والشراكات، ويشمل (17) فقرة، وقد صيغت هذه الفقرات بشكل يمكن من عملية قياس واقع البيانات المفتوحة وأهداف التنمية المستدامة، ويستجاب لكل فقرة بتحديد مدى تحقق الفقرة طبقاً لمقياس متدرج يحدد مستوى التحقق (ضعيف، منخفض، متوسط، مرتفع، مرتفع جدًا)، وقد تم تحكيم المقياسين من قبل مجموعة من الأساتذة والخبراء فى مجال المكتبات والمعلومات والتنمية الثقافية (ملحق 1).
0/8 مجتمع الدراسة وعينتها :
تشكل مجتمع الدراسة من منصات البيانات المفتوحة المتاحة عبر بوابات المؤسسات الثقافية العربية، حيث عكفت الباحثة على حصر تلك المنصات بالاعتماد على محركات البحث، وكذا تصفح بوابات الحكومات العربية، مؤشر البيانات المفتوحة Open Data Index، ومن ثم تم التوصل إلى مجموعة من هذه المنصات بلغ عددها (16) منصة، فيما تم الاستقرار على (12) منها فقط ، والتي تم اختيارها طبقًا لثلاثة معايير رئيسة : (الحداثة، والاكتمال، ثبات الإتاحة)، و والتي تنوعت مشاربها الثقافية وانتماءاتها المختلفة، طبقًا لمتغيرات عدة، والتي شكلت في مجملها عينة الدراسة النهائية، 


انشء في: أحد 8 سبتمبر 2024 08:08
مشاركة عبر