دور الإدارة الرشيدة في تطوير المؤسسات الصحية على ضوء معايير الجودة الشاملة في المجتمع السعودي : دراسة ميدانية في المراكز الصحية بمحافظة خميس مشيط

الشهراني، عبدالعزيز بن عبدالله بن سعيد. - 2024 - (دكتوراه) - جامعة المنصورة. كلية الاداب. قسم علم الاجتماع.


تزايد الاهتمام العالمي بضرورة تطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة ومعاييرها على كافة القطاعات والمؤسسات والهيئات المختلفة خلال العقود القليلة الماضية، وذلك في أعقاب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدها في ظل العالم في تسعينيات القرن العشرين، الأمر الذي أصبح من تطبيق الإدارة الرشيدة أمر حتمي لا مفر منه، خصوصًا التحول الكبير الذي تعمل على تنفيذه عديد من الدول في العالم إلى النظم الاقتصادية الرأسمالية والتي يهدف إلى تحقيق أقصى درجة ممكن من المعدلات المرتفعة لأداء العاملين ولأداء المنظمة بصورة عامة. إن تطبيق الإدارة الرشيدة (الحوكمة) وقواعدها ومعاييرها المختلفة في كافة القطاعات والمؤسسات المختلفة أصبح أمر حتمي لابد منه، وذلك لما له من دور كبير وحيوي تسهم به الإدارة الرشيدة في العمل على تطوير هذه المؤسسات والهيئات وتنميتها وبخاصة المؤسسات الصحية؛ فتطبيق الإدارة الرشيدة يساعد هذه القطاعات والمؤسسات فى تحقيق أهدافها وخططها لما تسهم به الإدارة الرشيدة من وضع وتحديد للنظم والقوانين والقواعد الاستراتيجية بكل كفاءة وفاعلية الهياكل التي تحكم طبيعة العلاقات في تلك المؤسسات، بل وتعمل على تحديد الصلاحيات والسلطة والمسئوليات في حماية حقوق كافة المساهمين والموظفين وأصحاب المصالح على لكافة المستويات الإدارية. وتحسين الأداء عملية تسعى كافة المنظمات إلى تحقيقها، فهي طريقة منظمة وشاملة تعمل على حل مشاكل المنظمات، وذلك من خلال العمل على مقارنة الوضع الحالي والوضع المرغوب فيه، وذلك بهدف العمل على تحديد الفجوة الموجودة في الأداء ومن ثم السعي نحو سد هذه الفجوة، وما لذلك من أثار من تحسين الأداء، وبالتالي زيادة معدلات النمو والتطور، ولما لذلك من دور في تطوير معدلات الإنتاجية للمؤسسات وزيادتها ، وبالتالي الوصول إلى أعلى معدلات الشمولية والتكامل من الأهداف والوسائل اللازمة لتحقيقها، حيث يعد أداء العاملين من أهم الأنشطة التي تعكس أداء العامل ومدى كفاءته وبلوغه مستوى الإنجاز المرغوب، فأداء العاملين هو عنصر وعامل رئيس يرتبط بما تتوجه إليه جهود المديرين نحو تحسين أداء بالمخرجات الخاصة بالمنظمة والتي تسعى المنظمة إلى تحقيقها. وقد شهد العام في الآونة الأخيرة اهتمامًا بالغًا بموضوع الجودة وتوكيدها، وأصبحت المنظمات الصناعية والخدمية على حد سواء تضع نصب أعينها الميزة التنافسية، والتي لا مكن تحقيقها إلا بتحقيق الجودة الشاملة، والتي زاد الاهتمام بها خلال العقدين الماضيين على المستويين العام والخاص، وأخذت ممارستها تزداد بشكل تلقائي، وأصبح هناك نموذج للجودة تستطيع خلاله المنظمات من تحسين أدائها وفاعليتها التنظيمية من خلال استثمار جهود جميع العاملين في المنظمة، ومحاولته التطوير المستمر لجميع العمليات والمهام، وتركيزه على رضا الزبون وحاجاته وتوقعاته المستقبلية. ويعد الحق في الصحة تطلع إنساني عالمي ومن حقوق الإنسان الأساسية، لذا جاء محور ””الصحة”” في مقدمة استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) وتسعى المملكة العربية السعودية جاهدة في ظل برنامج التحول الوطني، ورؤية ۲۰۳۰ إلى الاهتمام بالأداء في كل مجالاته في جميع مؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وقد تزايد الاهتمام بتطبيق عناصر الإدارة الرشيدة في كل المؤسسات السعودية العامة والخاصة، سعيًا وراء الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية والنمو الاقتصادي والإداري المنشود، وتعزيزًا لجوانب القوة في إدارة المؤسسات العامة والخاصة وتلافي وعلاج نقاط الضعف استعدادًا للنهضة الشاملة التي تنتظر المملكة في السنوات القادمة، وانطلاقًا من الإيمان بأهمية تمتع أفراد المجتمع السعودي بالحق في الصحة، وبحياة سعيدة صحية وسليمة وآمنة من خلال تطبيق نظام صحي متكامل يتميز بالإتاحة والجودة وعدم التمييز، والقدرة على تحسين المؤشرات الصحية عن طريق تحقيق التغطية الصحية الشاملة لكافة المواطنين، كما تُعد الصحة أمر حيوي من الناحية السياسية، حيث إن نجاح المجتمع يمكن الحكم عليه بنوعية صحة السكان وعدالة توزيعها فالصحة الجيدة تُمكن الناس من المشاركة في المجتمع مع عواقب إيجابية محتملة للأداء الاقتصادي. ومع ضرورة توافر الرعاية الصحية لكافة أفراد المجتمع وشرائحه، فإن المساواة في الرعاية الصحية هو موضوع يتعلق بالعدل الاجتماعي، كما أن التحيز في توزيع خدمات الرعاية الصحية سواء على المستوى العالمي أو على المستوى المحلي يُعد بالأساس نتاج سياسات بشرية لم تراعِ الأسباب والحلول الاجتماعية، حيث عمدت تلك السياسات إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات وزيادة الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين تلك الطبقات مما أدى إلى حدوث ظاهرة التحيز الاجتماعي في الصحة والخدمات الطبية فكلما كان الوضع الاجتماعي والاقتصادي منخفضًا كانت الرعاية الصحية المقدمة أسوأ، فالتحيز في خدمات الرعاية الصحية من القمة إلى القاع يكشف مدى التوزيع غير العادل للرعاية الصحية طبقاً للدخل سواء أكان منخفضًا أم متوسطًا أم مرتفعًا، وإذا كان ذلك ظاهرة عالمية، ولكنه ينتشر ويتجلى بوضوح في المجتمع السعودي. تبرز الأهمية النظرية لهذه الدراسة بأنها تتناول موضوعًا من الموضوعات المهمة المعاصرة التي تحتاج إلى مزيدًا من الدراسات المتعمقة، وتستمد أهمية دراسة هذا الموضوع كون الإدارة الرشيدة من أحد الموضوعات المهمة، التي حظيت ولا تزال تحظى باهتمام بالغ من قبل المهتمين بهذا المجال، حيث إن تقدم المجتمعات وتطور مؤسساتها الصحية واستمرارها يعتمد بشكل أساسي على الإدارة الرشيدة لمؤسسات القطاع الصحي والعاملين بها، ويؤمل أن تكون هذه الدراسة إضافة نوعية إلى المكتبة العربية والباحثين، كما يمكن لهذه الدراسة ونتائجها أن تكون مفيدة للباحثين والدارسين في المستقبل عبر تقديم الأفكار الجديدة، بالإضافة إلى إمكانية استفادة القائمين على مؤسسات القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية بشكل خاص من نتائج هذه الدراسة، كما تكمن أهمية الدراسة في الأهمية العلمية للموضوع، بحيث تناولت متغيرين أساسين في قطاع حيوي ومهـم ألا وهـو العلاقة بين الإدارة الرشيدة ومعايير الجودة الشاملة للخدمات الصحية في مؤسسات القطاع الصحي مما قد يفيد المسئولين عن التخطيط لمستقبل استراتيجيات إدارة المؤسسات الصحية في السعودية، ويؤمل أن تدفع هذه الدراسة عديدًا من الباحثين إلى إجراء المزيد من البحوث الجديدة في موضوع الدراسة، من خلال ما تقدمه من أدب نظري ودراسات سابقة وأدوات بحث تم التأكد من صدقها وثباتها، ويمكن توظيفها واستخدامها في تقديم التوصيات التي تم صياغتها بوصفها إسامًا وتقديم رؤية مستقبلية لإمكانية الاعتماد على الإدارة الرشيدة في تحسين أبعاد الجودة الشاملة للخدمات الصحية. يتحدد هدف الدراسة الرئيس في التعرف على أثر الإدارة الرشيدة في تطوير المؤسسات الصحية في المراكز الصحية بمحافظة خميس مشيط في ضوء معايير الجودة، ووضع رؤية مستقبلية في تحفيز الإدارة الرشيدة لتطوير المؤسسات الصحية في المراكز الصحية بمحافظة خميس مشيط في ضوء معايير الجودة، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي, وأداة الاستبيان تم تطبيقها على (100) مبحوث، تم اختيارها عن طريق العينة العشوائية البسيطة ، وأداة المقابلة تم تطبيقها على (10) مع بعض قيادات المراكز مثل المديرين ورؤساء الأقسام، بالمراكز الصحية بمحافظة خميس مشيطـ. وقد توصلت الدراسة الميدانية إلى عديد من النتائج أهمها : كشفت نتائج الدراسة الميدانية عن مقومات نجاح القطاع الصحي في ظل تطبيق الجودة الشاملة، ومن أهمها : تطوير أداء العاملين وتحسين إنتاجيتهم من خلال التدريب المهني والإداري، والإدارة الجيدة والتخطيط السليم، والتنويع والتغيير في نوع الخدمات لتلبية رغبات المستفيدين، وتوفير رأس المال للمؤسسة الصحية، ووجود معايير وأدوات مراقبة على الأداء في المؤسسة الصحية. اتضح من نتائج الدراسة الميدانية رضا غالبية عينة الدراسة عن سياسة العمل داخل المؤسسة، وعن أسباب الرضا عن سياسة العمل داخل المؤسسة وذلك لأنها تسعى إلى العمل في ظل روح الفريق، وتعمل على سهولة إنجاز العمل ولا تعوقه، ومراعاة العدل والمساواة في تقسيم العمل، وأخيرًا صرف الحوافز والمكافآت عند تحقيق الأهداف المحددة. كشفت نتائج الدراسة الميدانية عن معايير جودة الخدمات الصحية في المؤسسة توجد رسالة ورؤية للمراكز معلنة وواضحة للجميع، وتوجد في المراكز قسم أو إدارة خاصة بالجودة والتطوير والبحث، وتمتلك الكوادر العاملة في المراكز المهارات والمعرفة الكافية لتأدية كافة الخدمات المتعلقة بالمرضى، وتلتزم إدارة المراكز بالمواعيد المحددة لتقديم الخدمات إلى المرضى، ويتوفر لدى المراكز معدات وأجهزة طبية متطورة وذات تقنية عالية، وتحرص الكوادر العاملة في المراكز على تقديم الخدمات الفورية للمريض وبدفة متناهية، وأخيرًا يحتفظ المركز بسجلات طبية للمرضى دقيقة وموثقة. اتضح من نتائج الدراسة الميدانية أهداف الجودة الشاملة في تقديم الخدمات الصحية، وذلك من خلال تحقيق أعلى أداء في كل المجالات، ووضع أسلوب تطوير مستمر بلا نهاية، وعمل مراجعة مستمرة للعمليات لإزالة الهدر أو الفاقد، وإدراك المنافسة وتطوير استراتيجية المنافسة، وأخيرًا وضع إجراءات بسيطة لأداء الجودة. أشارت نتائج الدراسة الميدانية إلى أهمية وفوائد الجودة الشاملة في تقديم خدمات الرعاية الصحية، وذلك من خلال : تنمية الشعور بوحدة المجموعة وعمل الفريق والثقة المتبادلة بين الأفراد والشعور بالانتماء في بيئة العمل، والعمل على تحسين طرق وأساليب العمل، وتطويرها وتمكن من القيام بعملية مراجعة وتقييم للأداء بشكل مستمر، وتغيير سلوكيات أفراد المؤسسة اتجاه مفهوم الجودة، وتحسين السمعة الطيبة للمنظمة في نظر العملاء العاملين، واستمرار قدرة المؤسسة على البقاء والمنافسة وزيادتها، وأخيرًا زيادة الولاء والانتماء عند العاملين للمؤسسة. كشفت نتائج الدراسة الميدانية عن دور تطبيق معايير الجودة في الرعاية الصحية في تحقيق الشعور بالرضا لدى المرضى، ويأتي في مقدمة هذا الدور : يتم تقديم الخدمة للمرضى داخل أقسام المستشفى بكل جودة وعناية، ويتم تعريف المرضى عن إجراءات سير علاجهم ومتابعة حالتهم، ويتساوى جميع المرضى في حقهم بالحصول على الخدمات الصحية داخل المركز بغض النظر عن الجنس، والديانة، والعرق، والثقافة، وتستخدم إدارة المركز نماذج لتوثيق موافقة المرضى على تقديم الإجراءات الطبية له داخل المركز أو رفضهم، ويتم الاستجابة الفورية لطلبات المرضى واستفساراتهم داخل أقسام المستشفى، وتوفر إدارة المركز الخصوصية للمرضى فيما يتعلق بالبرنامج الطبي، وأخيرًا تقوم إدارة المركز بمشاركة المرضى بعملية اتخاذ القارات المتعلقة بالخدمات الصحية خلال تواجدهم داخل المركز. كشفت نتائج الدراسة الميدانية عن أهم المعوقات التي قد تؤثر في تطبيق الجودة الشاملة ومن أهمها : عدم التزام الإدارة العليا بتطبيق برنامج إدارة الجودة الشاملة وفق ما هو متوقع منها، ونقص التدريب على بعض الأعمال التي تتطلب مهارات معينة، والتركيز على أساليب معينة في إدارة الجودة الشاملة وليس على النظام بصورة عامة، وعدم الوصول إلى مشاركة جميع العاملين في المؤسسة في برامج إدارة الجودة، وأخيرًا مقاومة التغيير سواء أكان من الإدارة أم من العاملين. اتضح من نتائج الدراسة الميدانية الوسائل المناسبة لعلاج المعوقات التي تؤثر في تطبيق الجودة الشاملة في القطاع الصحي الإدارة الجيدة والتخطيط السليم، ووجود معايير وأدوات مراقبة على الأداء في المشروع، والتركيز على جودة الخدمات الصحية بصفة دورية، وتقييم العمل بشكل دوري يسهم في معالجة المشاكل وإزالة المعوقات، وتنمية مهارات الاتصال لدى جميع الأطراف بالمؤسسة الصحية، وأخيرًا تعزيز العمل بروح الفريق لدى العاملين يؤدي إلى نجاح خدمات المؤسسة. كشفت نتائج الدراسة الميدانية عن الآليات التي يجب أن تتبع لتحسين الأداء الوظيفي في ظل تطبيق معايير الجودة الشاملة وتخفيف ضغوط العمل على الكوادر الإدارية، وتحرير الإدارة من القيود والضغوط التي تحد من حركتها وفعاليتها، وإشباع الاحتياجات الاجتماعية والنفسية والمادية للكوادر الإدارية، وملاءمة كمية الرعاية الطبية المقدمة للمرضى وذلك لضمان تحقيق مستوى عالٍ من جودة الرعاية الطية، وتوفر وسائل الراحة والمتعة والتسهيلات التي يجدها المريض في المستشفى، وحسن التدبير التقني للرعاية الطبية والمتعلق بتطبيق علوم وتكنولوجيا الطب، وأخيرًا ملاءمة المصروفات والنفقات المالية عند توفير أو تحقيق مستوى عالٍ من جودة الرعاية الطبية. كما خرجت الدراسة بعديد من التوصيات ومن أبرزها ما يلي : تفعيل القدرات العلمية والعملية لكافة العاملين في المراكز الصحية نحو تطبيق مفاهيم ومبادئ الإدارة الرشيدة بصفة عامة والحوكمة الطبية بصفة خاصة، وذلك من خلال إلحاقهم ببرامج ودورات تدريبية حول ممارسات الإدارة الرشيدة الطبية الرشيدة. دراسة إمكانية التكامل بين الإدارة الرشيدة الطبية ومدخل نظرية القيود في القطاع الصحي بغرض تعظيم الإنجاز وزيادة تقديم الخدمات الصحية كمًا ونوعًا من خلال فعالية إدارة القيود والاختناقات وتحسين الأداء التشغيلي. دراسة إمكانية التكامل بين الإدارة الرشيدة الطبية ومدخل المحاسبة عن استهلاك الموارد، وذلك من خلال تحليل أنشطة الخدمة الصحية التي تضيف قيمة والأنشطة التي لا تضيف قيمة بما يضيف ميزة تنافسية للمؤسسات الصحية ويدعم قدرتها التنافسية بشكل مثالي. الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وتحسين الجودة وإرضاء العملاء من المرضى. تعزيز البحوث في مجالات العلوم الطبية والعلوم الأخرى التي لها علاقة بالصحة.



انشء في: أحد 8 سبتمبر 2024 08:51
مشاركة عبر